الملك
أسماء الله الحسنى
ملك الشيء أي حازه وانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه
والاسم مالك .. وأملكه الشيء أو ملكه الشيء أي جعله ملكا له .. وتملك الشيء أي امتلكه
والملك بفتح الميم واللام هو واحد الملائكة , وهو جنس من خلق الله تعالى نوراني لطيف كجبريل وعزرائيل
أما الملك بفتح الميم وكسر اللام فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وهو يعني ذو الملك وصاحب التصرف فيما يملك بجميع الوجوه ما علمنا منها وما لم نعلم حين يملك الإنسان شيئا يقال له مالك .. ولكن يلاحظ أنه يأتي دائما مضافا .. كأن نقول ملك بلجيكا أي ولي السلطة ببلجيكا
هذا عن ملك الإنسان .. أما عن ملك الحق جل وعلا فإن الأمر يختلف , لأن سبحانه وتعالى ليس مالكا فحسب .. بل هو الملك الذي يمل الأشياء ويملك من ملكها
إذ امتلك إنسان قطعة أرض فإنه يصير مالكا .. أما الحق جل وعلا فهو الملك لأنه يملك هذا الإنسان ويملك قطعة الأرض معا بحكم كونه الخالق لهما وللكون بأكمله
إن من يشتري شيئا يصير مالكا له .. فمن باب أولى أن ملكية الخالق لما خلق أجلى وأوضح وملك الله تبارك وتعالى لكونه يتضمن مفهوم الملكية البسيط والمستقى من ملكية الناس لبعض متاع الدنيا ويزيد عليه بوجوه أخرى .. فملكية الإنسان ملكية رمزية , أما ملكية الله جل وعلا فهي ملكية حقيقية
إن الحق تبارك وتعالى يملك مخلوقاته ولا يشاركه في هذه الملكية أحد وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) سورة البقرة
ويقول عز وجل : (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سورة آل عمرآن
ويقول تبارك وتعالى : ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) سورة النور
ويقول سبحانه : ( لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ) سورة المائدة
ولقد كلف الله رسله عليهم أفضل الصلاة والتسليم بإخبار الناس بهذه الملكية .. وبالفعل كان الرسل جميعا يدعون الناس إلى الإيمان بملكية الحق تبارك وتعالى لكونه , كما يدعونهم إلى الإيمان بعقيدة التوحيد الخالص , ولقد كلف الله نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن يخبر الناس بأنه جل وعلا هو الملك الذي له ملك السماوات والأرض .. فقال جل وعلا : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة الأعراف ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذا الكون أو بعض منه بخلق جديد .. وفي ذلك يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) سورة فاطر
كما يملك أيضا أن يضيف إلى كونه ما ليس فيه كما قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة فاطر
ومن هذه الآثار أيضا أنه تبارك وتعالى يحي ويميت من يشاء حين يشاء ولا يشاركه في ذلك أحد .. وقد رأينا ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه هذا الرجل الذي آتاه الله ملكا , فتخيل بجهله أنه يملك الأحياء والإماتة فظن أنه إذا حكم على إنسان بالموت ثم عفا عنه فقد أحياه .. وإذ نفذ فيه الحكم فقد أماته .
كان يملك سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقول له : إن عفوك عن هذا الإنسان بعد أن حكمت عليه بالموت ليس إحياء , لأن الإحياء يكون من العدم أو يكون من الموت , وأنت لم تفعل هذا ولا ذاك , وإن افترضنا جدلا أنك عفوت عنه بعد أن حكمت عليه بالموت , فإنك بذلك لا تكون قد أحييته .. وإنما أبقيت على حياته والتي كانت له قبل أن تحكم عليه أو تعفو عنه .. أما عن ادعائك بأنك نفذت الحكم فإنك تكون بذلك قد أمته , فإن ذلك فهم مغلوط , لأنك في حقيقة الأمر نفذت إرادة الله بموته , ولم تمته بإرادتك وقدرتك .
ولكن سيدنا إبراهيم لم يلجأ إلى كل هذا الجدل , لأن حجج قهر الكافرين المجادلين بالباطل لا تحصى , لكنه اختار حجة يسيرة لم يملك هذا الرجل لها دفعا ولا ردا .. وفي ذلك يقول جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة البقرة
ومنها أنه سبحانه وتعالى يعلم عن كونه كل شيء .. يعلم كل صغيرة وكبيرة وفي ذلك يقول جل وعلا : ( وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ) سورة الأنعام
ويقول سبحانه : ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) سورة فاطر
ويقول عز وجل : ( لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) سورة المائدة
ويقول الحق تبارك وتعالى : ( قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ) سورة الأنبياء
ويقول عز من قائل : (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) سورة الفرقان
ومن آثار ملكه أيضا أن كل ما يستجد في الكون , وهو الغيب بالنسبة لنا يستجد بإرادته وبعلمه .. وفي ذلك يقول سبحانه : ( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) سورة الزمر
ويقول سبحانه وتعالى : ( ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) سورة التوبة
ولم يقف علمه عند هذه الدرجة فحسب , بل انه يعلم ما يجول بخواطر البشر , وما تنطوي عليه صدورهم , وفي ذلك يقول جل وعلا : ( وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) سورة النمل
ويقول سبحانه : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ) سورة النمل
ومن هذه الأثار أيضا ان مآل كل شيء إليه .. فكما كانت البداية منه فإن النهاية تكون لدية .. كما قال عز وجل : ( لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) سورة الحديد
وانه مالك يوم الدين .. كما قال سبحانه وتعالى : ( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ* مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) سورة الفاتحة
وكما قال عز وجل : ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) سورة غافر
وأنه سبحانه وتعالى منفرد بالملك , بلا شريك ينازعه في ملكه وربوبيته وألوهيته في الدنيا والأخرة.. كما قال جل وعلا : ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) سورة الإسراء
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هو الملك في الدنيا والأخرة فهو إذن وحده وبلا شريك الذي يملك النفع والضر , وفي ذلك يقول عز وجل : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا) سورة المائدة
ويقول سبحانه : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ) سورة يونس
ويقول المولى تبارك وتعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا) سورة النحل
ويقول الحق سبحانه : ( قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا) سورة الفتح
ويقول ربنا تبارك وتعالى : (فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً) سورة الإسراء
ويقول قوله الحق : ( وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ) سورة الفرقان
وإذا فهمنا ذلك فإن ينبغي علينا أن ننصرف إليه وحده بالدعاء في كل صغيرة وكبيرة , لأن الدعاء لغيره دعاء لمن لا يملك شرا ولا نفعا .. بل إن جميع السبل التي يلجأ إليها الإنسان لتحقيق أغراضه ومصالحه كالرشوة والوساطة وغيرها كلها أسباب بيد الله .
وينبغي أن نفهم جيدا أن الأسباب لا تحقق ما لا يريد الله تحقيقه , وإذا صادف أن تحققت مصلحة بأحد هذه السبل , فإنها تكون قد تحققت لأن إرادة الله قد شاءت لها أن تتحقق .. فالإرادة الإلهية تحرك الأسباب , بينما لا تلمك الأسباب أن تؤثر في الإرادة أو تحقق ما يخالفها .
والحق تبارك وتعالى يحثنا على أن نتوجه سبحانه بالدعاء دون أن نشرك معه غيره مع الثقة أن كل شيء منه .. فيقول جل وشأنه : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة آل عمرآن
ولقد أدرك نبي الله سليمان عليه السلام هذه الحقيقة .. فدعا الله وحده أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .. فاستجاب الحق تبارك وتعالى لدعوته وسخر له كل عناصر الكون .. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ* فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ* وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ* فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) سورة ص
إنه سبحانه وتعالى الملك .. الآمر الناهي في ملكه .. المعز المذل .. الذي يقلب شئون عباده ويصرفها كيف يشاء .. والإقرار له جل وعلا بالملك في الدنيا والآخرة والانفراد بهذا الملك فرض على المسلم .
وقد التزم المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الفرض .. فكان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول دوما صباحا ومساء : أمسينا وأمسى الملك لله .
وفي الصباح يقول أصبحنا وأصبح الملك لله .
وكان يقول : الحمد الله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها , وأعوذ بك من الكسل والهم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر .
والملك من الناس هو الذي يستغني عن كل شيء سوى الله وتلك رتبة الأنبياء عليهم السلام , وقد قال أحد المريدين لشيخه : أوصني .. فقال له : كن ملكا في الدنيا وملكا في الآخرة .
فقال: وكيف ؟ قال الشيخ : اقطع طعمك وشهوتك عن الدنيا تكن ملكا في الدنيا والآخرة , فإن الملك في الحرية والاستغناء .
أسماء الله الحسنى
ملك الشيء أي حازه وانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه
والاسم مالك .. وأملكه الشيء أو ملكه الشيء أي جعله ملكا له .. وتملك الشيء أي امتلكه
والملك بفتح الميم واللام هو واحد الملائكة , وهو جنس من خلق الله تعالى نوراني لطيف كجبريل وعزرائيل
أما الملك بفتح الميم وكسر اللام فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وهو يعني ذو الملك وصاحب التصرف فيما يملك بجميع الوجوه ما علمنا منها وما لم نعلم حين يملك الإنسان شيئا يقال له مالك .. ولكن يلاحظ أنه يأتي دائما مضافا .. كأن نقول ملك بلجيكا أي ولي السلطة ببلجيكا
هذا عن ملك الإنسان .. أما عن ملك الحق جل وعلا فإن الأمر يختلف , لأن سبحانه وتعالى ليس مالكا فحسب .. بل هو الملك الذي يمل الأشياء ويملك من ملكها
إذ امتلك إنسان قطعة أرض فإنه يصير مالكا .. أما الحق جل وعلا فهو الملك لأنه يملك هذا الإنسان ويملك قطعة الأرض معا بحكم كونه الخالق لهما وللكون بأكمله
إن من يشتري شيئا يصير مالكا له .. فمن باب أولى أن ملكية الخالق لما خلق أجلى وأوضح وملك الله تبارك وتعالى لكونه يتضمن مفهوم الملكية البسيط والمستقى من ملكية الناس لبعض متاع الدنيا ويزيد عليه بوجوه أخرى .. فملكية الإنسان ملكية رمزية , أما ملكية الله جل وعلا فهي ملكية حقيقية
إن الحق تبارك وتعالى يملك مخلوقاته ولا يشاركه في هذه الملكية أحد وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) سورة البقرة
ويقول عز وجل : (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سورة آل عمرآن
ويقول تبارك وتعالى : ( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) سورة النور
ويقول سبحانه : ( لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ) سورة المائدة
ولقد كلف الله رسله عليهم أفضل الصلاة والتسليم بإخبار الناس بهذه الملكية .. وبالفعل كان الرسل جميعا يدعون الناس إلى الإيمان بملكية الحق تبارك وتعالى لكونه , كما يدعونهم إلى الإيمان بعقيدة التوحيد الخالص , ولقد كلف الله نبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بأن يخبر الناس بأنه جل وعلا هو الملك الذي له ملك السماوات والأرض .. فقال جل وعلا : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) سورة الأعراف ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذا الكون أو بعض منه بخلق جديد .. وفي ذلك يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) سورة فاطر
كما يملك أيضا أن يضيف إلى كونه ما ليس فيه كما قال جل وعلا : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة فاطر
ومن هذه الآثار أيضا أنه تبارك وتعالى يحي ويميت من يشاء حين يشاء ولا يشاركه في ذلك أحد .. وقد رأينا ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه هذا الرجل الذي آتاه الله ملكا , فتخيل بجهله أنه يملك الأحياء والإماتة فظن أنه إذا حكم على إنسان بالموت ثم عفا عنه فقد أحياه .. وإذ نفذ فيه الحكم فقد أماته .
كان يملك سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقول له : إن عفوك عن هذا الإنسان بعد أن حكمت عليه بالموت ليس إحياء , لأن الإحياء يكون من العدم أو يكون من الموت , وأنت لم تفعل هذا ولا ذاك , وإن افترضنا جدلا أنك عفوت عنه بعد أن حكمت عليه بالموت , فإنك بذلك لا تكون قد أحييته .. وإنما أبقيت على حياته والتي كانت له قبل أن تحكم عليه أو تعفو عنه .. أما عن ادعائك بأنك نفذت الحكم فإنك تكون بذلك قد أمته , فإن ذلك فهم مغلوط , لأنك في حقيقة الأمر نفذت إرادة الله بموته , ولم تمته بإرادتك وقدرتك .
ولكن سيدنا إبراهيم لم يلجأ إلى كل هذا الجدل , لأن حجج قهر الكافرين المجادلين بالباطل لا تحصى , لكنه اختار حجة يسيرة لم يملك هذا الرجل لها دفعا ولا ردا .. وفي ذلك يقول جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) سورة البقرة
ومنها أنه سبحانه وتعالى يعلم عن كونه كل شيء .. يعلم كل صغيرة وكبيرة وفي ذلك يقول جل وعلا : ( وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ) سورة الأنعام
ويقول سبحانه : ( وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) سورة فاطر
ويقول عز وجل : ( لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ ) سورة المائدة
ويقول الحق تبارك وتعالى : ( قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ) سورة الأنبياء
ويقول عز من قائل : (قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) سورة الفرقان
ومن آثار ملكه أيضا أن كل ما يستجد في الكون , وهو الغيب بالنسبة لنا يستجد بإرادته وبعلمه .. وفي ذلك يقول سبحانه : ( قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ) سورة الزمر
ويقول سبحانه وتعالى : ( ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) سورة التوبة
ولم يقف علمه عند هذه الدرجة فحسب , بل انه يعلم ما يجول بخواطر البشر , وما تنطوي عليه صدورهم , وفي ذلك يقول جل وعلا : ( وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) سورة النمل
ويقول سبحانه : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ) سورة النمل
ومن هذه الأثار أيضا ان مآل كل شيء إليه .. فكما كانت البداية منه فإن النهاية تكون لدية .. كما قال عز وجل : ( لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) سورة الحديد
وانه مالك يوم الدين .. كما قال سبحانه وتعالى : ( الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ* مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) سورة الفاتحة
وكما قال عز وجل : ( لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) سورة غافر
وأنه سبحانه وتعالى منفرد بالملك , بلا شريك ينازعه في ملكه وربوبيته وألوهيته في الدنيا والأخرة.. كما قال جل وعلا : ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) سورة الإسراء
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هو الملك في الدنيا والأخرة فهو إذن وحده وبلا شريك الذي يملك النفع والضر , وفي ذلك يقول عز وجل : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا) سورة المائدة
ويقول سبحانه : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ) سورة يونس
ويقول المولى تبارك وتعالى : ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا) سورة النحل
ويقول الحق سبحانه : ( قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا) سورة الفتح
ويقول ربنا تبارك وتعالى : (فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً) سورة الإسراء
ويقول قوله الحق : ( وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ) سورة الفرقان
وإذا فهمنا ذلك فإن ينبغي علينا أن ننصرف إليه وحده بالدعاء في كل صغيرة وكبيرة , لأن الدعاء لغيره دعاء لمن لا يملك شرا ولا نفعا .. بل إن جميع السبل التي يلجأ إليها الإنسان لتحقيق أغراضه ومصالحه كالرشوة والوساطة وغيرها كلها أسباب بيد الله .
وينبغي أن نفهم جيدا أن الأسباب لا تحقق ما لا يريد الله تحقيقه , وإذا صادف أن تحققت مصلحة بأحد هذه السبل , فإنها تكون قد تحققت لأن إرادة الله قد شاءت لها أن تتحقق .. فالإرادة الإلهية تحرك الأسباب , بينما لا تلمك الأسباب أن تؤثر في الإرادة أو تحقق ما يخالفها .
والحق تبارك وتعالى يحثنا على أن نتوجه سبحانه بالدعاء دون أن نشرك معه غيره مع الثقة أن كل شيء منه .. فيقول جل وشأنه : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة آل عمرآن
ولقد أدرك نبي الله سليمان عليه السلام هذه الحقيقة .. فدعا الله وحده أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .. فاستجاب الحق تبارك وتعالى لدعوته وسخر له كل عناصر الكون .. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ* فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ* وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ* وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ* هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ* فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) سورة ص
إنه سبحانه وتعالى الملك .. الآمر الناهي في ملكه .. المعز المذل .. الذي يقلب شئون عباده ويصرفها كيف يشاء .. والإقرار له جل وعلا بالملك في الدنيا والآخرة والانفراد بهذا الملك فرض على المسلم .
وقد التزم المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الفرض .. فكان عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يقول دوما صباحا ومساء : أمسينا وأمسى الملك لله .
وفي الصباح يقول أصبحنا وأصبح الملك لله .
وكان يقول : الحمد الله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير , اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها , وأعوذ بك من الكسل والهم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر .
والملك من الناس هو الذي يستغني عن كل شيء سوى الله وتلك رتبة الأنبياء عليهم السلام , وقد قال أحد المريدين لشيخه : أوصني .. فقال له : كن ملكا في الدنيا وملكا في الآخرة .
فقال: وكيف ؟ قال الشيخ : اقطع طعمك وشهوتك عن الدنيا تكن ملكا في الدنيا والآخرة , فإن الملك في الحرية والاستغناء .